الخلفيّة التاريخية لحركة المحرومين - أمل
قبل العام 1920 كان لبنان ما عدا الجبل يخضع إداريّا لسوريا أمّا الجبل فكان خاضعاً لحكم شبه ذاتي في إطار نظام المتصرّفيّة الذي أُقرّ في العام 1860 .
وقد كان للدّول الكبرى مصالح في لبنان فرأت أنّ أفضل طريقة لتحقيق المكاسب تتمثّل في دعم الطّوائف اللبنانيّة المختلفة .
فاحتضنت كلّ دولة كبرى طائفةً من الطوائف تقوم برعاية شؤونها و تؤسس لها المدارس و الجامعات و تقيم المشاريع ....
ولعلّ الإطّلاع على مذكّرات ميخائيل نعيمة "سبعون " كافٍ لمعرفة كيفيّة تدخّل الدول الكبرى في الشّؤون اللبنانيّة و احتضان كلّ منها لطائفة من الطوائف .
فاحتضنت فرنسا الموارنة و بريطانيا الدّروز و روسيا الاورثوذكس والدولة العثمانيّة السنّة بحكم وحدة الانتماء المذهبي .
خارج هذه المعادلة بقيت طائفة واحدة ... الشّيعة .
في العام 1920 قامت دولة لبنان الكبير بضمّ الأجزاء الحاليّة للبنان الى الجبل و تشكيل دولة لبنان الكبير ثمّ في العام 1943 تحقّق الإستقلال .
لم يتغيّر شيء على الشّيعة . فالدولة التي اصبحوا ينتمون إليها لم تقدّم لهم شيء ... بقيت تعتبرهم دائما مواطنين من الدرجة الثانية و هي بالتالي غير مسؤولة عنهم .
شهد لبنان تمييزا كبيرا بين مناطقه . ففي وقتٍ كانت بيروت فيه باريس الشرق و الجبل يضاهي أوروبا كان الجنوب و البقاع و الشمال يعانون من حرمان شديد و فقر مدقع في ظلّ غيابٍ تام للدّولة اللبنانية ومؤسّساتها حيث انعدمت الخدمات العامّة .
تكفي الإشارة الى انّ محافظة جبل لبنان كانت حصّتها من الموازنة العامة للعام 74 أكثر من 27 % مقابل أقلّ من 1 % لمحافظة البقاع أكبر المحافظات اللبنانيّة !!!!
الطائفة الشّيعيّة كانت الأكثر معاناةً إذ لفّها الإهمال و كان أقصى حلم للشّيعي أن يشاهد مدرسة كاملة في بلدته بدلا من مجموعة غرف منفصلة يسمّونها "مدرسة "... أو أن تصل شبكة الطرقات الى بلدته .. أو أن ينعم عليه المسؤولون بالكهرباء و الماء ... أمّا القطاع الصحيّ فحدّث ولا حرج ...
في نفس الوقت كانت إمكانات الدّولة تصبّ بشكل كبير على بيروت و جبل لبنان و بذلك نشأت هوّة اجتماعيّة كبيرة .
في أواخر الخمسينات قدم الإمام القائد السّيد موسى الصّدر إلى لبنان . ومنذ قدومه بدأ العمل الاجتماعي في خدمة الناس . مع بداية احتكاكه بالناس لمس الإمام المشكلة الكبيرة التي كان يعاني منها الشّيعة في لبنان .فبدأ يناشد المسؤولين أن يقوموا بواجبهم وأن يكونوا متوازنين قارعا ضمائرهم بندائه
"يا حكّام لبنان ... اعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر التاريخ "
لم ينتظر الإمام أحدا بل بدأ بالعمل الفعلي بادئاً من مدينة صور حيث قضى على التسول الذي كان يلف المدينة مقسما المتسولين الى فئتين و القول للإمام
" أمّا الكسول فيُحارب ويجب أن يعمل و نحن سنسعى لتأمين عمل له .. وأما غير القادر فعلينا القيام بإعالته "
فأقام لهذه الغاية "مشروع الليرة " تقوم بموجبه كلّ عائلة بالتبرّع بليرة لبنانيّة كلّ شهر و يعود ذلك أولا لاعالة الفقراء و ثانيا لتمويل التعليم الديني الذي كان قد بدأ حديثا .
دقّ الإمام على كلّ الأبواب لكنّه لم يلقَ استجابةً من أحد فنظّم مهرجانات شعبيّة ضخمة للمطالبة بحقوق المحرومين .
وردّد مئات الآلاف القسم خلف الإمام هاتفين بأنّهم لن يهدأوا ما دام هناك محرومٌ واحد .
وبذلك أصبح التّيّار المحيط بالإمام حركة المحرومين ....
وما كان لله ينمو