رسالة الهدى

أهلا" وسهلا" بكم في منتدى الإمام موسى الصدر- مدينة صور

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

رسالة الهدى

أهلا" وسهلا" بكم في منتدى الإمام موسى الصدر- مدينة صور

رسالة الهدى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الإمام موسى الصدر - مدينة صور

اننا نؤمن بأن التعايش اللبناني أمانة التاريخ والعالم وهو قدرنا ورسالتنا نتمسك به ولو من طرف واحد (الإمام القائد السيد موسى الصدر)
ان أخطر أسلحة العدو هو التشكيك والفتنة فلنزاجهه بالثقة ووحدة الكلمة(الإمام القائد السيد موسى الصدر)
نريد كرامة لكل محروم ،حق لكل محروم، عمرانا"لكل منطقة متخلفة حقا" لكل مواطن مظلوم من أي فئة كان (الإمام السيد موسى الصدر)
سقوط الجنوب يعني سقوط لبنان واستبعد بقاء لبنان دون الجنوب (الإمام السيد موسى الصدر)
ان الإيمان بالله لا ينفصل عن الجهد في سبيل خدمة الناس وتخفيف ألامهم (الإمام السيد موسى الصدر)
ان ارادة الحياة عند كل شعب هي طريق النصر،فكيف بنا ونحن نملك أضخم الطاقات البشرية والجغرافية والإقتصادية ونحمل انبل المواريث الأخلاقية والإنسانية والروحية(الإمام السيد موسى الصدر)
ليس في العالم شعب صغير وشعب كبير بل شعب يريد الحياة وشعب لا يريدها(الإمام السيد موسى الصدر)
قوتنا في صوتنا ... قوتنا في ضميرنا ... قوتنا في إخلاصنا ... قوتنا في صفاء رؤيتنا ... قوتنا في عدم التزامنا بالمصالح الخاصة(الإمام السيد موسى الصدر)
ان الكشاف نوع من أنواع صيانة المجتمع و أكثرها انسانية (الإمام السيد موسى الصدر)
إنّ لبنان دولة مواجهة، ولا يمكن لمجتمعه إلا أن يكون مجتمع حرب وجدّ، لا أن يكون مجتمع رخاء واستهلاك(الإمام السيد موسى الصدر)
سنظل نسبح في بحر الشهادة حتى نصل الى شاطئ التحرير(الإمام السيد موسى الصدر)
رسالتي الدفاع عن الانسان المحروم المعذب(الإمام السيد موسى الصدر)
اسرائيل شر مطلق و التعامل معها حرام (الإمام السيد موسى الصدر)
سأبقى القلم الذي لا يذرف الا بحبر الحقيقة مهما كانت مرة (الإمام السيد موسى الصدر)
شهداء امل هم شهداء المسيح عليه السلام و الذين وقفوا الى جانب النبي محمد و هم الفوج المعاصر للإمام الحسين (الإمام السيد موسى الصدر)

    قراءة في تجربة الإمام الصدر

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 244
    تاريخ التسجيل : 16/06/2010

    قراءة في تجربة الإمام الصدر Empty قراءة في تجربة الإمام الصدر

    مُساهمة  Admin السبت يونيو 26, 2010 11:04 am

    قراءة في تجربة الإمام الصدر



    درجت المجتمعات على عادة انتاج قيادة تحمل هواجس الاوطان، بيد انها نادراً ما وحّدت بين حياة قائد ومصير وطن، ولا سيما بين قائد يصنع فرادته وسط حقول الغام احاطت بسيرته من كل حدب وصوب، ووطن لما يجد بعد اجماعاً حول هويته ودوره ومعنى وجوده بالذات. وعلى امتداد الاعوام الفاصلة بين نكسة العرب في 5 حزيران 1967 واخفاء الامام موسى الصدر في ليبيا في 31 آب ،1978 كان الوطن المهدد من الجنوب قد ارتدى عباءة رجل وعمامته، وتمثل في قضية بقدمين ولسان وارادة وأحاسيس على قدر ما هي مصير دولة وشعب وارزاق ومنازل وذاكرة ومستقبل.

    إن قراءة موضوعية ومعمقة ليوميات الامام الصدر في الزمن الفاصل بين النكسة والاخفاء تكشف مفارقة التماهي بين قضية وطن وحياة قائد، مثلما تكشف وقائع الاحداث كيف تحوّل الجنوب الى تفاصيل يومية في حياة رجل جعلته بصيرته الثاقبة قادراً على التقاط مفاصل الارتباط الوثيق بين مستقبل الوطن ومصير جنوبه.

    ولأنه لم يدفن رأسه في الرمال، انفرد الامام الصدر في ملاحظة مخاطر الاستراتيجيا الاسرائىلية على لبنان. اذ ساهمت بصيرته الثاقبة في استشرافه المبكر لوسائل هذه الاستراتيجيا واهدافها، وذلك بعد اقل من عقد على اقامته في مدينة صور، حيث اعتقد ان دوره فيها ومنها سوف يقتصر على تدبير أمور المسلمين الشيعة في عباداتهم ومعاملاتهم وتنظيم إرهاصات نهضتهم، وذلك على أمل تنمية موقعهم في الدولة واندماجهم في الوطن الذي ارتضاه نهائياً لهم ولجميع اللبنانيين على حدّ سواء. بيد انه سرعان ما اكتشف انه انما حطّ رحاله في المنطقة التي يتوقف على تداعيات احداثها مصير الوطن كله، من الناقورة الى النهر الكبير...

    وفي هذا السياق تندرج مفارقة السياسة التي دأب على ممارستها والدعوة اليها انطلاقاً من رؤيته الشمولية للمشروع الاسرائيلي في لبنان. وهي مفارقة تفسّر مغامرة السير على حدّ فاصل وخطير بين أولوية النهوض بطائفة محرومة ومهمشة، اجتمعت حوله ووضعت بين يديه مسؤولية انصافها وقيادتها، واولوية الدفاع عن وطن تنهشه منازعات طوائفه واحزابه من الداخل، وبواسطتها تخترقه مصالح وسياسات خارجية وجدت فيه ساحة خصبة لادارة الصراع في المنطقة، مثلما وجدت فيه اسرائىل وسيلتها لتحقيق مشروعها التوسعي والتقسيمي على حساب وحدته الوطنية والقضية الفلسطينية في آن واحد.

    وقد اختزلت تجربة الامام موسى الصدر مفارقة التكامل بين نهضة مجتمعية ومصير وطن، وهو التكامل الذي عاند على انجازه في ظروف غير ملائمة بيد انه لم يتأخر في انحيازه لاولوية المصير الوطني على كل مصلحة اخرى وان كانت مشروعة. ولذلك تميز الامام الصدر عن غيره من القيادات الروحية والسياسية برأي حاسم في وضوح مفرداته وطموحاته ودقة دلالاته وشموليتها، وهو الرأي الذي ردّده منذ تفاقم الخطر الاسرائيلي على لبنان برمته، حيث اعتبر ان طائفة بدون حقوق افضل من طائفة بدون وطن.

    ولم يأت هذا القرار من فراغ او ضعف، بقدر ما يرجع الى وعي اولي ومعمق بتداعيات الحرب الاهلية، بتفاصيلها الطائفية والاقليمية ونتائجها التي تنذر بتحويل لبنان الى مساحة مستباحة ومكشوفة امام المشروع الاسرائيلي. ويفسر هذا القرار مواقف الامام الصدر من الحرب الاهلية ومشاريع التقسيم واصراره على وقف الاقتتال الداخلي وتوجيه الانظار والطاقات نحو الخطر المحدق بلبنان كله، انطلاقاً من قراءته لبدايات التدخل الاسرائيلي السياسي والعسكري في الازمة اللبنانية، معطوفة على مقاربة دقيقة لأبعاد التموضع الاسرائيلي في الجنوب كما تجلى في اعتداءات واختراقات وعلاقات حسن جوار وتأسيس نواة لبنانية متعاملة ينفذ بواسطتها المشروع الاسرائيلي الى قلب النسيج اللبناني وما يستتبع ذلك من تهديد للانموذج اللبناني في تعدديته الدينية ووحدته الوطنية وسيادته وهويته.



    الرؤية الاستراتيجية والمجتمع المقاوم:

    وقد ساهم الامام موسى الصدر في بلورة رؤية معمقة وشمولية لاستراتيجيا اسرائيل في لبنان، كما شدد على ضرورة بناء مجتمع مقاوم يرتكز على استراتيجيا وطنية مضادة للمشروع الاسرائيلي. مجتمع مقاوم واستراتيجيا وطنية شكلا، في رؤية الامام الصدر، شرطاً تاريخياً لتأسيس مقاومة لبنانية ضد بدايات التدخل الاسرائيلي في لبنان وتمهيداً لمقاومة الاجتياحات المتكررة والاحتلال المتوقّع.

    وفي حين تكشف رؤية الامام الصدر شمولية المشروع الاسرائيلي في لبنان ومراحله واهدافه فانها تحدد، أيضاً، الخطوات المطلوبة لمواجهته قبل استفحاله شرراً متطايراً على رؤوس الجميع. وفوق ذلك كله، تميزت رؤيته باستيعاب دقيق للاحداث المتلاحقة، منذ اواخر الستينات، والمسارعة على ايقاع لم يلحظ اللبنانيون خطورته، اذ رأى اليها البعض مجرد احداث عابرة على تخوم منطقة هامشية ضعيفة التأثير والاثر على لبنان المركزي، واعتبرها البعض الآخر صراعاً اسرائىلياً - فلسطينياً، لا ناقة للبنان فيه ولا جمل. أمّا الامام الصدر فكان اول من جاهر بخطاب التلازم المصيري بين الجنوب وبقية لبنان، واول من حذر من انسحاب الصراع الاسرائىلي - الفلسطيني على السلم الاهلي اللبناني. وبهذا المعنى، تكتسب رؤية الامام الصدر صوابيتها باستشرافها المبكر لمسار التدخل الاسرائىلي في لبنان، وتحديداً لجهة ايقاظ الرؤوس اللبنانية المدفونة في الرمال او اللامبالية او المنهمكة بمصالحها الخاصة على حساب وطن يقترب، شيئاً فشيئاً، من الانهيار الشامل.

    وقد ارتكزت هذه الرؤية على ابراز شمولية الاستراتيجيا الاسرائىلية في لبنان انطلاقاً من مسلّمتين: الاولى تشدد على استحالة الفصل بين لبنان وجنوبه، والثانية تميز الخطر الاسرائيلي عن غيره من المخاطر التي يتعرض لها لبنان.

    وانطلاقاً من الاستشراف المبكّر للخطر الاسرائىلي على لبنان، اظهر الامام الصدر الضرورة القصوى والعاجلة لاستراتيجيا وطنية تقوم على الاسس الآتية:

    1- تعيين الاخطار الاسرائيلية ووحدة الرأي والموقف منها، وتحديداً الاخطار الاكثر بروزاً والتي تمثلت بتقسيم لبنان واحتلال الجنوب وتصفية القضية الفلسطينية.

    2- تحديد دور الدولة بصفتها المسؤول الاول في الدفاع عن وحدة الوطن وسيادته وكرامة شعبه.

    3- توحيد رؤية المجتمعين السياسي والاهلي للخطر الاسرائيلي الشامل.

    4- بناء مجتمع مقاوم كشرط من شروط التصدي لهذا الخطر والصمود في مواجهته.

    5- تأسيس مقاومة لبنانية ضد اسرائيل.

    ومما لا شك فيه، فإن دعوة الامام الصدر لبناء مجتمع مقاوم كانت تعبيراً مكثفاً ودقيقاً عن المدى الذي وصل اليه اقتناعه باقتراب الخطر الاسرائيلي الشامل. فقد لاحظ، وعن كثب، انشغال اللبنانيين بهموم فئوية وجزئية وتغليبهم لها على هموم الوطن والمصير المشترك، بل حتى دولتهم واعلامهم ومؤسساتهم الروحية ومناهجهم التربوية وطاقاتهم الاغترابية كانت جميعها شبه مشلولة، وكأنما احداث الجنوب تجري في كوكب آخر، وكأن الخطر الاسرائيلي بعيد عنهم بُعد الارض عن القمر؟؟ وقد سلك هذا الاقتناع طريقين متكاملين، طريق بناء مجتمع مقاوم في كل لبنان، وطريق بناء مجتمع مقاوم في الجنوب وحده. وتمظهر هذا الاقتناع في خطاب دائم، صريح وجريء، وفي مواقف وبيانات ورحلات الى الخارج، في تحالفات وتجاوزات دائمة للأذى والتخوين. فكانت صرخاته وتحركاته من أجل وحدة لبنان ومصير الجنوب والقضية الفلسطينية خبزه اليومي منذ بداية 1970 وصولاً الى يوم اخفائه، حيث اكتشف اللبنانيون، بعد فوات الأوان، فداحة خسارتهم لقائد نذر حياته في سبيل الوطن، ونتيجة عدم تجاوبهم مع صدقية خطابه وصوابية رؤيته اوصلتهم الى ما وصلوا اليه وما دفعوا ثمنه اضعافاً مضاعفة في أرواحهم وارزاقهم ووحدتهم وتعايشهم ومستقبلهم...

    داهمت الحرب الاهلية دعوة الامام الصدر لبناء مجتمع مقاوم واستراتيجيا مضادة لاستراتيجيا اسرائيل، ولم يبق امامه سوى سلوك الطريق الثاني، طريق العمل على بناء مجتمع مقاوم في الجنوب حيث تصبح ممانعته وصموده امام الاعتداءات الاسرائىلية اكثر قدرة على توليد مقاومة تحول دون احتلاله وقضمه وتدمير الانموذج اللبناني على رؤوس الجميع. واذا كانت الحرب الاهلية شرعت اللامبالاة حيال المأساة المتعاظمة في الجنوب، ودفعت اللبنانيين في أتون اصطفاف طائفي لم يترك للوطن معنى وللمستقبل افقاً، فان الامام الصدر قرر المراهنة على أبناء الجنوب، وعلى وعيهم ووحدتهم وصمودهم يتوقف مصير الوطن المهدد من اسرائىل والممزق على ايدي المصالح الطائفية والاولويات السياسية الخاطئة.

    فاذا كانت "اسرائىل ليست الآن في وضع سياسي يمكنها من احتلال الجنوب ولكن تحاول ان تفجر المجتمع اللبناني من الداخل وتمهد للاحتلال"، كما ورد في تقرير الامام الصدر امام الهيئتين التنفيذية والشرعية في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بتاريخ 13 ايلول ،1975 واذا كان "الاعتداء على لبنان، بخاصة على جنوبه سيقابل بمعركة تبدأ ولا تنتهي مهما كان تفاوت القوى واختلاف الموازين"، كما ورد في نداء الامام الصدر الى العقل اللبناني بتاريخ 7 كانون الاول ،1976 فان طبيعة المعركة الراهنة والآتية مع اسرائىل تتطلب بناء مجتمع قادر على خوضها والانتصار فيها، وذلك لأنها، كما يقول الامام الصدر معركة ذات وجوه كثيرة، "فهي معركة حضارية طويلة الامد متعددة الجهات، وطنية، قومية، دينية، انها معركة الماضي والمستقبل. معركة المصير وهذا يعني ان المطلوب منا الاستعداد ليس لأجل الايام والاسابيع القادمة فقط ولكنه للسنوات ولعشرات السنين وعلى جميع الجبهات وبكل المستويات ومع جميع الطاقات...

    وفي حين يكرر الامام الصدر مطالبته بتحمل بعض الاعباء عن اهل الجنوب ومشاركتهم في محنتهم لكي يشعروا بوضوح "انهم مواطنون في الساعات الحرجة على الاقل"، وفي حين يؤكد "رغبة منطقة الجنوب وعزمها على الصمود وعلى تحمل المحنة حتى الفناء (ولا فناء")، فانه يجدد صرخته ودعوته لبناء مجتمع جنوبي مقاوم: "... عليكم ان توفروا للجنوبيين وسائل الصمود وامكانية الصمود واعطاء فعالية لصمودهم... أنجزوا المشاريع المدروسة والمقررة والموعود بها عشرات المرات... ساهموا في رفع معنويات أبناء الجنوب، زوروهم، أكتبوا عنهم، وعن بلادهم مقالات وريبورتاجات، أقيموا مواسم واعياداً وطنية ومهرجات مهذبة بينهم، واكثروا من التنقل في قراهم النائية وبصورة خاصة القرى المجاورة للحدود.

    دربوهم على السلاح، سلحوهم، وحافظوا على ولائهم الوطني، وعلى ولائهم لكم. وبهذه الوسيلة تكونون قد ساعدتم جيش الوطن، وحافظتهم على المقاومة الفلسطينية، وكونتم نواة للمقاومة الوطنية لليوم العصيب...".

    كما ان مجتمعاً مقاوماً وصامداً في الجنوب يتطلب أيضاً وحدة اهله على اختلاف طوائفهم واحزابهم ومصالحهم، لا سيما وان المشروع الاسرائىلي لا يميز بينهم سوى في مجال التكتيك بينما يوحدهم في صورة ضحية باستراتيجيته التوسعية. وبهذا المعنى جاء نداء الوحدة الذي نشرته الصحف بتاريخ 14 حزيران ،1976 حيث يخاطب الامام الصدر اهل الجنوب قائلاً: "يا أبناء الجنوب، يا أيها الذين تحملتم الآلام قبل الآخرين، ان الخطر الاكبر الذي لا علاج له، اذا وقع، عليكم وعلى منطقتكم بالذات، وحدوا الصفوف، ابتعدوا عن الحساسيات الحزبية والسياسية. انكم جميعاً، في اي حزب او اتجاه، اخوان وشركاء المصير، وسوف لا يفرّق بينكم العدو. اجتمعوا في خندق واحد بعضكم مع بعض، وقد كنتم وستبقون اخواناً، ومع المقاومة في وجه اسرائىل عدوكم الوحيد...".

    وفي اللحظة التي بدأت فيها اسرائىل سياسة "الجدار الطيب"، استدرك الامام الصدر خطورة هذا التبدل الهادف ليس فقط الى تورية الاعتداءات العسكرية وتوزيع الاسلحة على العملاء وانما الى تقويض أسس الوحدة التي بدونها سوف ينهار الجنوب ويتحول من مجتمع صمود وممانعة الى مجتمع مفكك وضعيف يعيش بيأس واستسلام منتظراً القدر الاسرائيلي. وبالتالي، وامام احتمال التراجع في ارادة الوحدة والصمود والممانعة، قرر الامام الصدر، وانطلاقاً من موقعه الشرعي والسياسي، توجيه نداء من القلب محذراً اهل الجنوب من مخاطر التعامل مع اسرائىل، في أية صورة وتحت اي عنوان او ذريعة. وقد نشرت الصحف اللبنانية هذا النداء بتاريخ 22 تشرين الاول ،1976 ومما جاء فيه: "إن هذا التبدل المفاجئ جعل الموقف هو الجزء الآخر من المؤامرة الكبرى التي صممتها وهيأتها ونفذتها اسرائىل ضد شعبنا ووطننا وامتنا، والواجب المنطقي والمسؤولية الوطنية والانسانية يدعوانا الى الحذر والانتباه والتصدي له بكامل قدراتنا.

    علينا ان نعلم ان كل قطرة من ادوية اسرائىل هي سمّ زعاف يسمم اجسامنا واجسام اولادنا وان كل من يذهب الى مستوصفاتها انما يذهب الى وكر الافاعي والحيات. علينا ان ندرك ان كل خدمة تقدمها لنا اسرائىل وكل بضاعة نشتريها وكل رحلة توفرها لنا هي ضربة قاضية على وطننا وتاريخنا وكرامتنا. وعلينا ان نعرف ان كل سلاح تستعمله اسرائيل باسم حماية احدنا انما هو طعنة تركزها في قلب وطننا واجيالنا الصاعدة"...

    وفي حين كانت النداءات المتلاحقة بمثابة تحذير من نتائج الاستراتيجيا الاسرائىلية ومناشدة متواصلة لمواجهتها باستراتيجيا وطنية ومجتمع مقاوم، فان الامام الصدر كان يدرك، ومن خلال بصيرته الثاقبة نفسها، ان التوعية الاعلامية، وحدها، لا تكفي، وان مسار الاحداث الداخلية لا يساعد في تحويل خطابه المسؤول الى ترجمة عملية على الارض تحصّن لبنان وجنوبه بالتحديد ضد الخطر الذي دأب على التحذير منه والكشف عنه في كل كلمة ولقاء ومناسبة منذ نهاية الستينات. وتالياً، فان البحث عن وسيلة اخرى تتجاوز النداء والمناشدة والتحذير، شكّل هاجساً لم يغب عن بال الامام الصدر في لحظة او يوم منذ قادته بصيرته الثاقبة الى تلمس الدلالة التاريخية الخطيرة للمشروع الاسرائىلي في لبنان. وعليه، فأن تأسيس مقاومة لبنانية ضد هذا المشروع اصبح مهمة عاجلة وحاسمة يمتزج فيها الواجب الشرعي بواجب الدفاع عن الوطن، حتى وان اقتضى الامر اقتصارها على القلة التي آمنت برؤيته وقيادته.

    وفي اللحظة التي ظهر الوطن مستباحاً ومعلقاً في الهواء، دخل الامام الصدر في سباق مع الاحداث، مؤجلاً كل مصلحة فئوية، معانداً في سعي دؤوب لاظهار صوابية رؤيته للخطر الاسرائىلي الذي ينذر بتحويل لبنان كله الى هباء منثور...

    وبهدف تطويق هذا الخطر، سار الامام الصدر في حقول الغام، وحمل قضية الجنوب في حلّه وترحاله، في خطابه ومواقفه وأحساسيسه، وقد ادرك انه، في دفاعه عن لبنان، الوطن النهائي لجميع أبنائه، الواحد بأرضه وشعبه ومؤسساته، السيد الحر المستقل، العربي هوية وانتماء ومصيراً، سوف يتعرض للمخاطر والحصار والتشكيك، وانه سوف يدفع الثمن غالياً في رحلة من رحلات دفاعه عن مصير الوطن. وقد دفعه فعلاً، وفي سجن عربي، حيث ينزوي وحيداً، غريباً منذ 31 آب 1978 حتى اليوم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 1:15 am